سورة الكهف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


فلما {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} يقول: جئتك لأتبعك وأصحبك {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} قرأ أبو عمرو ويعقوب: {رشدا} بفتح الراء والشين وقرأ الآخرون: بضم الراء وسكون الشين أي صوابا وقيل: علما ترشدني به.
وفي بعض الأخبار أنه لما قال له موسى هذا قال له الخضر: كفى بالتوراة علما وببني إسرائيل شغلا فقال له موسى: إن الله أمرني بهذا فحينئذ: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} {قَالَ} له الخضر {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} وإنما قال ذلك لأنه علم أنه يرى أمورا منكرة ولا يجوز للأنبياء أن يصبروا على المنكرات. ثم بين عذره في ترك الصبر فقال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} أي علما. {قَالَ} موسى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} إنما استثنى لأنه لم يثق من نفسه بالصبر {وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} أي: لا أخالفك فيما تأمر. {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} فإن صحبتني ولم يقل: اتبعني ولكن جعل الاختيار إليه إلا أنه شرط عليه شرطا فقال: {فَلا تَسْأَلْنِي} قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر بفتح اللام وتشديد النون والآخرون بسكون اللام وتخفيف النون {عَنْ شَيْءٍ} أعمله مما تنكره ولا تعترض عليه {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} حتى ابتدئ لك بذكره فأبين لك شأنه. {فَانْطَلَقَا} يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها فوجدا سفينة فركباها فقال أهل السفينة: هؤلاء لصوص وأمروهما بالخروج فقال صاحب السفينة: ما هم بلصوص ولكني أرجو وجوه الأنبياء.
وروينا عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول فلما لججوا البحر أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من السفينة» فذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ} له موسى {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} قرأ حمزة والكسائي: {ليغرق} بالياء وفتحها وفتح الراء {أهلها} بالرفع على اللزوم وقرأ الآخرون: بالتاء ورفعها وكسر الراء {أَهْلَهَا} بالنصب على أن الفعل للخضر.
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أي: منكرا والإمر في كلام العرب الداهية وأصله: كل شيء شديد كثير يقال: أمر القوم: إذا كثروا واشتد أمرهم.
وقال القتيبي {إِمْرًا} أي: عجبا.
وروي أن الخضر لما خرق السفينة لم يدخلها الماء. وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشى به الخرق. وروي أن الخضر أخذ قدحا من الزجاج ورقع به خرق السفينة.


{قَالَ} العالم وهو الخضر {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} {قَالَ} موسى {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} قال ابن عباس: إنه لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكأنه نسي شيئا آخر وقيل: معناه بما تركت من عهدك والنسيان: الترك. وقال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا». {وَلا تُرْهِقْنِي} ولا تغشني {مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} وقيل: لا تكلفني مشقة يقال: أرهقته عسرا أي: كلفته ذلك يقول: لا تضيق علي أمري وعاملني باليسر ولا تعاملني بالعسر. {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ} في القصة أنهما خرجا من البحر يمشيان فمرا بغلمان يلعبون فأخذ الخضر غلاما ظريفا وضيء الوجه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين.
قال السدي: كان أحسنهم وجها وكان وجهه يتوقد حسنا.
وروينا أنه أخذ برأسه فاقتلعه بيده وروى عبد الرزاق هذا الخبر وأشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع برأسه.
وروي أنه رضخ رأسه بالحجارة.
وقيل: ضرب رأسه بالجدار فقتله.
قال ابن عباس: كان غلاما لم يبلغ الحنث وهو قول الأكثرين قال ابن عباس: لم يكن نبي الله يقول: أقتلت نفسا زكية إلا وهو صبي لم يبلغ.
وقال الحسن: كان رجلا وقال شعيب الجبائي: كان اسمه حيسور.
وقال الكلبي: كان فتى يقطع ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه.
وقال الضحاك: كان غلاما يعمل بالفساد وتأذى منه أبواه.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج أنبأنا عبد الله بن مسلمة بن معتب حدثنا معمر بن سليمان عن أبيه عن رقية بن مصقلة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا».
{قَالَ} موسى {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} قرأ ابن كثير ونافع وأبو جعفر وأبو عمرو: {زاكية} بالألف وقرأ الآخرون: {زكية} قال الكسائي والفراء: معناهما واحد مثل: القاسية والقسية وقال أبو عمرو بن العلاء: الزاكية: التي لم تذنب قط والزكية: التي أذنبت ثم تابت.
{بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي: لم تقتل نفسا بشيء وجب به عليها القتل.
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} أي: منكرا قال قتادة: النكر أعظم من الإمر لأنه حقيقة الهلاك وفي خرق السفينة كان خوف الهلاك.
وقيل: الإمر أعظم لأنه كان فيه تغريق جمع كثير.
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر هاهنا: {نُكْرًا} وفي سورة الطلاق بضم الكاف والآخرون بسكونها.


{قَالَ} يعني الخضر: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} قيل: زاد {لك} لأنه نقض العهد مرتين وفي القصة أن يوشع كان يقول لموسى: يا نبي الله اذكر العهد الذي أنت عليه. {قَالَ} موسى {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا} بعد هذه المرة {فَلا تُصَاحِبْنِي} وفارقني وقرأ يعقوب: {فلا تصحبني} بغير ألف من الصحبة.
{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} قرأ أبو جعفر ونافع وأبو بكر {من لدني} خفيفة النون وقرأ الآخرون بتشديدها قال ابن عباس: أي قد أعذرت فيما بيني وبينك.
وقيل: حذرتني أني لا أستطيع معك صبرا. وقيل: اتضح لك العذر في مفارقتي.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا محمد بن عبد الله القيسي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن رقية عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحمة الله علينا وعلى موسى» وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه: «لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} فلو صبر لرأى العجب». قوله عز وجل: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} قال ابن عباس: يعني: أنطاكية وقال ابن سيرين: هي الأبلة وهي أبعد الأرض من السماء وقيل: برقة. وعن أبي هريرة: بلدة بالأندلس {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}.
قال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما فطافا في المجالس فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما».
وروي أنهما طافا في القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافوهم فلم يضيفموهما.
قال قتادة: شر القرى التي لا تضيف الضيف.
وروي عن أبي هريرة قال: أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعا لنسائهم ولعن رجالهم.
قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي يسقط وهذا من مجاز كلام العرب لأن الجدار لا إرادة له وإنما معناه: قرب ودنا من السقوط كما تقول العرب: داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها.
{فَأَقَامَهُ} أي سواه وروي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الخضر بيده فأقامه.
وقال سعيد بن جبير: مسح الجدار بيده فاستقام وروي عن ابن عباس: هدمه ثم قعد يبنيه وقال السدي: بل طينا وجعل يبني الحائط.
{قَالَ} موسى {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: {لتخذت} بتخفيف التاء وكسر الخاء وقرأ الآخرون: {لتخذت} بتشديد التاء وفتح الخاء وهما لغتان مثل اتبع وتبع {عَلَيْهِ} يعني على إصلاح الجدار {أَجْرًا} يعني جعلا معناه: إنك قد علمت أننا جياع وأن أهل القرية لم يطعمونا فلو أخذت على عملك أجرا.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14